الرأي العام

المراجعات-3 | مظلومية الدولة

شكل تضخم القوى العاملة في الدولة ظلماً وإجحافا بحقها إلى بلغت مرحلة العقم... ولكن هل الحل فصل الآلاف دفعة واحدة؟

مصعب الجندي – العربي القديم

قد يجد الإخوة فيما أذكر استعجالاً برأيي في الحكومة الانتقالية، لكني لا أبدي رأياً فيها على الاطلاق ولن يكون هذا الأمر قبل أشهر ثلاث على الأقل، هو مجرد خرفشة كخرفشاتي القديمة المكررة لأصيبكم بالملل، كتبتها منذ أيام عساها تنفع ولو بالقليل في سياق المراجعات التي نحتاجها

إقــــرأ أيضــــاً

كثر الحديث عن فصل عاملين في مؤسسات الدولة ومظلوميتهم وأضيف عليه ثرثرتي بصوت أعلى هو (مظلومية الدولة) عسى تراها الحكومة الانتقالية -التي لا يعنيني من أشخاصها وإنما أداءهم كرجال دولة- أمراً يستددعي الاهتمام وإعادة النظر مجدداً.

لنضع الجيش وأجهزة الأمن جانباً فلها حديث آخر وتقييم آخر مختلف، رغم أنها تشكل حيزاً هاما من واقع مظلومية الدولة لكنها تتشابك مع ملفات ووقائع أخرى ونكتفي هنا بالمؤسسات المدنية فقط:

لا أحد يستطيع أن ينفي تضخم القوى العاملة في الدولة بما يوازي ضعف احتياجات مؤسساتها على الأقل، مع خلل واضح بتوزيع هذه القوى نتيجة المحسوبيات والولاءات والفساد المستشري في نظام الأسدين، مما ركب ظلماً وإجحافاً بحق الدولة نفسها إلى أن بلغت مرحلة العقم، التي لا تنتج بسبب العطالة المقنعة وتضخم بند الرواتب والأجور كنفقات جارية مما أنهك موازنات المؤسسات وبالتالي موازنة الدولة، وهي الحالة المتراكمة التي بدأت أوائل ثمانينيات القرن الماضي.

لكن واحداً من أقسى حالات الظلم هي بحق الدولة ككيان مستقل؛ فحين سقوط النظام فراراً لم تتم عملية التسليم والاستلام للدولة ذاتها، بعيداً عن السياسة نتيجة التعجّل غير المدروس بهدف إكمال السيطرة، على الرغم أن المنتصر كان بإمكانه تنفيذها خلال مرحلة الحكومة المؤقتة أو أن تكون مهمتها الوحيدة بدلاً من فوضى الفصل الجماعي والتعينات العجولة ومحاولات الإصلاح غير مدروسة، وستجد نفسها الحكومة الانتقالية أمام استحقاق تصحيح الخطأ لكي لا يتحول صراخ الظلمين إلى دوامة اجترار المظلوميتين، فالأصل التمييز والتبّصر بقطاعات الدولة ودور كل منها وأهمها قطاع الخدمات (الصحة، التعليم، الكهرباء والمياه، الطرق والمواصلات، الشرطة المدنية…إلخ) أي القطاع الذي يسير أساسيات الحياة بغض النظر إن كان يسير على ساقيه أو أعرج، لكنه القطاع الذي يتطلب التقنين الشديد بالاستغناء عن الخدمات (الاكتفاء برؤوس الهرم) حتى تتم عملية الاستلام الكاملة وتحضير الكوادر وبعدها بالإمكان محاسبة الفاسدين وإعادة هيكلية القوى العاملة وهو أمر لا بدّ من تنفيذه لاحقاً بهدوء ووضوح وعدالة.

باقي قطاعات الدولة التي لا تمس أساسيات الحياة للناس كبعض المعامل التي أغلبها عاجز وخاسر فالخطأ فيها مقدور عليه مدام يحفظ حقوق العاملين المفصولين التي لا يستطيع أحد انتزاعها (سياسة أو غير سياسة) وهي تعويضاتهم أو الحصول على الراتب التقاعدي لمن أكمل سنين خدمة استيفائه، وهنا علينا التدقيق بالرقم (سوريا هي الرقم الإحصائي المثقوب وهذا الوصف الرقمي له شرح آخر)، والإجابة على جملة من الأسئلة التي تخفي استحقاقات المرحلة..  كم عدد المفصولين..؟ وما هي نسبتهم (عمرياً)….؟ وكم سيشكلون من بطالة في القوى العاملة…؟ وكم هي المبالغ التي ستخصص لهم كتعويضات نهاية الخدمة..؟ وكم هي رواتب المتقاعدين التي ستضاف إلى الكتلة السابقة التي تسددها مؤسسة التأمينات الاجتماعية..؟ وهل القطاع الخاص ورجال الأعمال السوريين – مغتربين وغير مغتربين- في وارد المساهمة والمشاركة بتمويل مشاريع قادرة على امتصاص هذه البطالة خصوصاً في ظل ضبابية مشروع الدولة المستقرّة الديموقراطية وهي تحت وطأة كافة أشكال وأنواع ومسميات الضغوط من الداخل والخارج…؟. أنا لا أملك الإجابات السحرية على هذه الأسئلة سوى باختصار: فكروا بحجم الظلم الذي سيصيب الدولة لسنين قادمة وهي دولة أبنائي وأحفادي مع تذكيري للعارفين وغير العارفين أن واحداً من مقاييس تقدم الدول ورفاهية أبناءها هو تدني نسبة البطالة إلى أقل من 5% مع ضمان اجتماعي للعاطلين.

لا أضع (العصي بالدواليب)، هي مجرد محاولة لسوري يكاد يكون صوته ضعيفاً، وليس مهرجاً أو “تيكتوكر” يتحدث بالسطح بعيداً عن بواطن الأمور. صوتي ضعيف لكن مراجعات الأخطاء والمشكلات المستجدة قبل استفحالها وتجذرها أمانة القادمين من أجيال السوريين.. ولا أدفع الناس باتجاه العجز لأني أرى (العجز دين الكفرة) وإنما هي أسئلة للحكومة الانتقالية التي لم تتقدم ببيان وبرنامج واضح لها، رغم ذلك لا اعتراض وهو مجرد رأي:

أولاً_ السياسة عقلانية ونحن في عصر أسقط جميع تعاريفها التقليدية المدرسية السابقة وواحداً من مراراتها (في السياسة تلتقي الخصوم) فكيف إذا كان الهدف إعادة هيكلية بناء دولة تكاد أن تكون محطمة بمجمل كيانها، هو أمر يتطلب عدم اتباع سياسة الإقصاء وحيدة وإنما مرافقتها بالاحتواء وفق براعة وحنكة باستخدام التفاصيل التي تضمن استمرار الأخلاقيات والمبادئ التي قامت لأجلها الثورة.

ثانياً_ التكنوقراط تعني فيما تعنيه: الاختصاص والخبرة فيه وهنا لا يحق لي التشكيك بخبرات أعضاء الحكومة، فقط أعني التركيز على مهام كل وزارة وفق توصيف واضح لأعمالها، بعيداً عن تجاوز الاختصاصات وتداخلها بين الوزارات كما حصل من قبل وزير الخارجية بتعميمه حول مراقبة النشاط السياسي الداخلي والتصرف بأملاك الأحزاب.

ثالثاً_ أملاك الدولة أو الأملاك العامة التي أضيف إليها ما تم الاستيلاء عليه من فاسدي وقتلة النظام السابق، الأصل هو التعامل معها بحرص شديد لأنها ملكية وحق لكل سوري، ولا حاجة هنا للتذكير بحجمها وضخامتها لدرجة أنني على يقين بأن هذه الأملاك في حال استثمارها بشكل جيد قادرة على أن تكون قاطرة العبور للمرحلة.

أخيراً: الحكمة في المظلوميات صدقاً وحقاً، كذباً أو نفاقاً، هي رد الحقوق وحفظ الكرامات، فالله هو المرشد الهادي لإنسانية الإنسان فلا تجعلوها (ركب الذّل والمشقّة).  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى