الرأي العام

نوافذ الإثنين | الحق في الكتابة التافهة

ميخائيل سعد

لا يكاد يمر يوم دون أن أقرا بوست عن السخرية من كاتب ما، أو الإشادة بآخر، وإن كانت السخرية والشتائم أكثر حضورا من المديح الحقيقي. وهذا يستدعي سؤالا ملازما للاحتجاج سلبا أو إيجابًا: هل يحق للبشر التعبير عن ذواتهم، كما هم أم لا؟

ويتبع السؤال الأول سؤالا ثانيا: من يحدد قيمة وصلاحية ما يكتبه الناس في الفضاء الأزرق أو في غيره من مواقع التواصل الاجتماعي؟

السؤال الثالث هو: هل المعايير التي يستخدمها بعض المحتجين على تدني أو جودة الكتابات، ثابتة إلى الأبد كأبد الأسد مثلا؟

جاء صباح اليوم إلى مقهى المعمرين صديق قديم يحمل في صدره هما كبيرا، وقبل أن يتحول صدره إلى شظايا، قرر الكلام، وحسنا فعل، قال: ما هذا الزمن التافه الذي أصبح يستطيع فيه أي انسان الكتابة كما يشاء دون رقيب أو حسيب.

لم يكن صديقنا هذا هو الأول، ولن يكون الأخير، الذي يعلن احتجاجه وعدم رضاه عن المنشورات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تضمر أو تعلن عن إعجابها بالقديم، ليس فقط على مستوى الكتابة، وإنما على نمط الحياة كلها، فغاليا ما يتم التعبير عن الحنين إلى ”الزمن الجميل“، أما ما هو الزمن الجميل في الكتابة والطعام والثياب والحب وغير ذلك، فأنا، كي لا أعمم، لا أجد إلا غرقا في الماضي، سواء هذا الماضي هو ماضينا الشخصي، أو ماضي الجماعة أو الأمة، رغم ادعائنا اليومي بأننا من الثوار الذين قاموا على منظومة آل الأسد، التي يتم النظر إليها بمعزل عن الماضي والحاضر.

لن أستمر في الإشارة إلى موضوعات متعددة، وإنما سأعود إلى الفكرة الأساسية وهي الحديث عن الزمن الرديء والكتابة الرديئة وزمن التفاهة، التي تدل بمجملها عن حنين إلى زمن مضى، عندما كانت الكتابة حكرا على مجموعة من المتعلمين الذين يتقنون استخدام اللغة، مثلما كانت الأناقة حكرا على بعض الفئات التي تنتمي إلى طبقة اجتماعية محددة. لقد حققت وسائل التواصل الاجتماعي، لأول مرة في التاريخ، ديمقراطية الكتابة والقراءة، فقد أتاحت لكل الناس الذين يملكون هاتفا ذكيا، أو كمبيوترا يمكن ربطه بالأنترنيت إمكانية الكتابة ووصول ما يكتبه إلى الملايين، بغض النظر عن طبقية الكاتب أومهاراته اللغوية أومعارفه الفكرية، لقد تم كسر كل الحواجز والممنوعات أمام الكلمة، سواء كانت جيدة أم رديئة، وأصبح قرار القبول أو الرفض لهذه الكلمة من حق القارىء. إن كل الاختراعات التي خلقها الانسان كان وراءها حسن نية المخترع، ولكن ذلك لم يمنع الناس من استخدامها بطريقة سيئة دمرت الانسان نفسه ممثل اختراع البارود أو القنبلة الذرية، أو فكرة العنصرية أو تبرير الاضطهاد الجنسي أو العرقي، ولكن مع ذلك استطاعت البشرية أن تجد الحلول لهذه المشاكل، فلماذا نخاف الآن من حرية التعبير والكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي، هل نسينا بسرعة دور الرقابة الحكومية والدنية والاجتماعية، في حرمان الناس من الاطلاع على أعمال عظيمة لفترة طويلة من الزمن؟  

أخيرا، بالتأكيد أن بعض ما ينشر غث وتافه ولا يستحق الوقوف عنده، فلماذا لا نقلب الصفحة ونقرأ الجيد الذي يغني حريتنا وأروحنا، ويجعلنا ندافع عن حرية التفاهة كي ننال حرية الاطلاع على الإبداع الحقيقي، فنسقط ”الثابت إلى الأبد“ من عقولنا؟

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى