فنون وآداب

نزار قباني شجعها وآخرون حاربوها: تحديات الكاتبة الجميلة في الوسط الثقافي

مريم الإبراهيم- العربي القديم

في سياق الثقافة المعاصرة، يمكن أن يتحول الجمال لدى الكاتبة إلى سجن، حيث تُختزل هويتها الأدبية والفكرية في مظهرها الخارجي بدلًا من إبداعاتها الفكرية، على الرغم من أن الجمال قد يكون بوابة لجذب الانتباه، إلا أن التركيز الزائد عليه يمكن أن يُهمّش عمق المضمون الأدبي ويضع الكاتبة في قالب ضيق يعتمد على الصورة فقط،  مثل هذا الانحصار داخل “مشهد الجمال” قد يحرمها من الاعتراف الكامل بإبداعها ويفرض عليها قيوداً تجبرها على تلبية توقعات المجتمع، وهذا التوجه يُقلل من قيمة المرأة كفرد مستقل بذاته، حيث تصبح مرآة لمتطلبات وحالة مجتمعية تهمش فكرها وتظلم إبداعها الأدبي.

تقف المرأة أمام المرآة، تبحث عن نفسها بين التفاصيل الصغيرة التي رسمها الزمن على وجهها، ليس مجرد انعكاسٍ لما تبدو عليه، بل هي مرآة أخرى أعمق بكثير، مرآة تحمل في طياتها قصصاً من النضال الداخلي، عن ذلك العبء الذي حملته النساء منذ أزل الأزل.. عبء الجمال.

الجمال ليس دائماً نعمة، فقد عرفت الجميلات منذ الأزل بالحظ العاثر،  إنه ذلك السحر الذي يُرغم الآخرين على الانجذاب، لكنه في ذات الوقت يحجب الرؤية الحقيقية، تحيا المرأة المثقفة تحت ظلال هذه المعادلة هل يرون فيّ الكاتبة، المُبدعة، أم يرون فقط الوجه الجميل الذي لا يشي أبداً بما تحمله الروح من فكر وثورة.

هل يرون الكاتبة المبدعة أم الوجه الجميل فقط؟

كاتبات من الأدب العالمي

هناك مقولة قديمة تقول: “العين لا ترى إلا ما تريد رؤيته”وهذا هو الحال تماماً مع الكاتبة الجميلة، لا يمكن للعيون المندهشة أن تتجاوز إطار الجمال الخارجي لتغوص في عمق الكلمات التي تسكبها بحساسية ورقة ولكن كم من هذه الأرواح المثقلة بالجمال قد تحمّلت أن يُهمَّش فكرها، أن يُنظر إليها كواجهة براقة لا كمصدر للإلهام.

حين قرأت “ناعومي وولف” في كتابها “أسطورة الجمال”، شعرت أنني أسمع صدى أصوات النساء اللواتي ناضلن لعقود، كانت ناعومي تتحدث عن تلك الصورة الأسطورية التي وُضعت لنا، صورة المرأة الطويلة، النحيفة، البيضاء البشرة، ذات الشعر الأشقر، التي يبدو جمالها غير ملموس تقريباً، لكن هذا الجمال الذي تراه عيون المجتمع ليس مجرد مظهر، إنه فخ إنه القيود التي تُلزمنا بأطرٍ مستحيلة، تُرغمنا على ملاحقة صورة لا تعكس حقيقتنا.

ما يُثقل روح المرأة الجميلة ليس مجرد التوقعات المجتمعية، بل هو ما تشعر به داخلياً عندما ترى نظرات الآخرين تتعلق بجمالها قبل أن تصل إلى فكرها تتساءل، هل يرونني ككاتبة أم مجرد وجهٍ آخر؟ هل تُستمع أفكاري حقاً؟! أم أن الجمال هو الذي يجذب الانتباه؟

أن الجمال عبءٌ خفي لا يمكن الهروب منه، ليس لأنه يضفي ضغطاً على الآخرين، بل لأنه يخلق حاجزاً بين المرأة المثقفة وبين قبولها كمبدعة، كيف يمكن للفكر أن يتنفس بحرية إذا كان حبيس قوالب الجمال التي صنعها الآخرون؟

 الجمال  جزء من هوية المرأة، ويجب أن نعيد تعريفه ليكون انعكاساً للعمق الروحي والثقافي، لا مجرد إطارٍ خارجي، المرأة الجميلة، الكاتبة، الشاعرة، الروائية، لا تُقاس بمظهرها بل بما تحمله من معانٍ في قلبها، إنني أتخيل تلك المرأة وهي تكتب، وأرى كيف تختلط الكلمات بالجمال، كيف ينبعث من كل سطر روحٌ تشع بالفكر والتأمل.

الجمال هو عبءٌ ولكنّه أيضاً قوة، قوة تستطيع المرأة المثقفة أن تحررها، أن تُعيد تشكيلها، على مر العصور، تركت العديد من الكاتبات بصماتهن العميقة في عالم الأدب، حيث لم يكن إبداعهن فقط في كلماتهن، بل أيضاً في حياتهن الشخصية التي كانت مليئة بالتحديات والصراعات.

الكاتبات في مختلف أنحاء العالم يحملن قلماً مفعماً بالقوة والإبداع، حيث يعبرن عن تجاربهن ورؤاهن الشخصية، محطاتهن في الحياة، وتصوراتهن حول قضايا اجتماعية وفكرية، من أديبات القرون الماضية  “ماري شيلي وفلوبير” إلى الكتابة المعاصرة التي تشهد تطوراً مستمراً مع حضور أسماء مثل “أليف شافاق وتوني موريسون” الكاتبات لم يقتصر دورهن على التأثير الأدبي فقط، بل عملن على تغيير الأنظمة الثقافية والاجتماعية، فحملن هموم النساء والمجتمعات المهمشة، وكسرن القيود المفروضة عليهن، كل واحدة منهن تحمل بصمتها الخاصة، وتتحدى الظروف لتثبت أن الأدب ليس فقط انعكاساً للعالم بل هو أداة لتغيير هذا العالم.

“ماري شيلي” مؤلفة رواية “فرانكنشتاين” الشهيرة التي كتبتها وهي في عمر 18 عاماً، كانت واحدة من الشخصيات البارزة في الأدب القوطي البريطاني، بجمالها وسحر كلماتها، كما أن والدتها هي الفيلسوفة النسوية الشهيرة ماري وولستونكرافت، حياة شيلي كانت مليئة بالتحديات الشخصية والإبداعية، إذ شاركت بنشاط في تحرير ونشر أعمال زوجها الشاعر بيرسي بيش شيلي، إلى جانب تأليف العديد من الأعمال الأخرى مثل “Valperga” و”Rambles in Germany and Italy” على نفس السياق، كانت إميلي برونتي، مؤلفة رواية “مرتفعات ويذرينغ”، من أعظم الأدباء في العصر الفيكتوري، كتبت تحت اسم مستعار “إليس بيل” لتخفي هويتها ككاتبة في مجتمع يحد من حرية المرأة، كانت إميلي جزءًا من عائلة أدبية مميزة، حيث برزت شقيقاتها شارلوت

الجميلة إميلي برونتي، ورائعتها رواية “مرتفعات ويذرينغ” (تعديل: العربي القديم)

من الجانب الآخر من الأطلسي، نأتي إلى مارغريت ميتشل مؤلفة “ذهب مع الريح”، التي أثرت في الأدب الأمريكي بشكل ملحوظ، وخلّدت اسم ميتشل رغم أنها كتبت رواية واحدة فقط، هذه الرواية تحولت إلى فيلم ناجح، وسيرتها الذاتية التي نُشرت بعد وفاتها توثّق الحياة المعقدة والمليئة بالتحديات التي عاشتها.

الكاتبات السوريات الجميلات

الكاتبات السوريات، كان لهن تأثير كبير على الحركة الأدبية والثقافية، “ماري عجمي”  التي أسست مجلة “العروس” عام 1910 للدفاع عن حقوق المرأة، كانت من رواد الحركة النسوية في سوريا، جرأتها في مواجهة السلطة العثمانية، وخاصة بعد إعدام خطيبها بتهمة معارضة النظام، جعلت منها أيقونة للنضال والتحرر تميزت “غادة السمان”، التي وُلدت في دمشق، بجمالها وأسلوبها الأدبي القوي الذي عالج قضايا المرأة والحرية والغربة، من أشهر أعمالها “الجسد حقيبة سفر” ختم الذاكرة بالشمع الأحمر”،  وأيضاً “زمن الحب الآخر” وهي تعتبر رمزاً للمرأة المثقفة والجريئة.

أما “سلمى الحفار الكزبري” فقد كانت كاتبة وشاعرة بارزة، مهتمة بتوثيق التاريخ العربي والنهضة الثقافية في دمشق، بجانب كتاباتها الأدبية والشعرية التي تعكس حساسية اجتماعية وإنسانية عالية،

نالت الأديبة الراحلة جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي سنة 1995، كما فازت بجائزة البحر الأبيض المتوسط الأدبية من جامعة بالرمو في صقلية سنة 1980، إضافة إلى نيلها وسام «شريط السيدة» من إسبانيا سنة 1965. من أشهر مؤلفاتها “الغربية”،”نساء متفوقات” و”حرمان”.

من بين الأصوات السورية الحديثة، برزت “شهلاء العجيلي”، الروائية والأستاذة الجامعية التي حصلت على عدة جوائز أدبية. شهلا ابنة أخ الروائي السوري الراحل عبد السلام العجيلي (1918-2006) الذي يعد أحد أبرز المؤسسين في الرواية العربية، وهي أكاديمية وروائية تحمل الجنسية الأردنية بالإضافة لجنسيتها السورية، درست الأدب العربي الحديث في جامعة حلب، والجامعة الأميركية في مادبا في الأردن، وصلت روايتها الثالثة “سماء قريبة من بيتنا” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)  كتاباتها تتناول مواضيع معقدة مثل التاريخ والسياسة، ومن أبرز أعمالها “عين الشرق”.

نزار قباني مع سلمى الحفار الكزبري ومع غادة السمان (أرشيف العربي القديم)

نزار قباني: المرأة ملكة وسلطانة

لقد شغف “نزار قباني” بجمال المرأة المثقفة وافتُتن به، وكانت قصائده اندفاعة إيروسية نحوها، كتب عن المرأة أجمل القصائد، معبراً عن شعرية جمالها وأحاسيسه التي تهدر كالأمواج حيناً، وكالعواصف أحياناً أخرى.

الحب والجمال كانا محور عالمه الشعري، حيث يُعبر عن العلاقة الوثيقة بين الجمال والحب كوجهين لحقيقة واحدة في قصائده، يعود الجسد الإنساني إلى جماله الأول، ليصبح مدخلاً لحقائق كونية عميقة. ومن أشهر ما كتب الشاعر نزار قباني وما غناه الفنانون العرب قصيدة: “أحبكِ أحبكِ وهذا توقيعي”

نقتطف منها التالي:

“هل عندكِ شَكٌّ أنَّكِ أحلى امرأةٍ في الدُنيا؟

وأَهَمَّ امرأةٍ في الدُنيا؟

هل عندكِ شكّ أنّي حين عثرتُ عليكِ..

ملكتُ مفاتيحَ الدُنيا؟

هل عندكِ شكّ أنّي حين لَمَستُ يَدَيْكِ

تغيَّر تكوينُ الدنيا؟

هل عندكِ شكّ أن دخولَكِ في قلبي

هو أعظمُ يومٍ في التاريخ..

وأجمل خَبَرٍ في الدُنيا؟

هل عندكِ شكٌّ في مَنْ أنتْ؟

يا مَنْ تحتلُّ بعَيْنَيْها أجزاءَ الوقتْ

يا امرأةً تكسُر، حين تمرُّ، جدارَ الصوتْ

لا أدري ماذا يحدثُ لي؟

أيّتها الوردةُ.. والياقُوتَةُ.. والرَيْحَانةُ..

والسلطانةُ.. والـشَعْبِيَّةُ..

والـشَرْعيَّةُ بين جميع الملِكَاتِ..

يا سَمَكَاً يَسْبَحُ في ماءِ حياتي

يا قَمَراً يطلع كلَّ مساءٍ من نافذة الكلِمَاتِ..

يا أعظمَ فَتْحٍ بين جميع فُتُوحاتي

يا آخرَ وطنٍ أُولَدُ فيهِ..

وأُدْفَنُ فيه.. وأنْشُرُ فيه كِتَابَاتي..

يا امرأةً تدخُلُ في تركيب الشِعرْ..

دافئةٌ أنتِ كرمل البحرْ..

رائعةٌ أنتِ كليلة قَدْرْ..

من يوم طرقتِ البابَ عليَّ.. ابتدأ العُمرْ..

كم صار جميلاً شِعْري..

حين تثقّفَ بين يديكْ..

كم صرتُ غنيّاً وقويّاً..

لمّا أهداكِ اللهُ إليَّ..

هل عندكِ شكّ أنّكِ قَبَسٌ من عَيْنَيّْ

ويداكِ هما استمرارٌ ضوئيٌّ ليَدَيّْ..

هل عندكِ شكّ..

يا ذاتَ الأَنْف الإغْريقيِّ..

وذاتَ الشَعْر الإسْبَاني

يا امْرأَةً لا تتكرَّرُ في آلاف الأزمانِ..

يا امرأةً ترقصُ حافيةَ القَدَمَيْنِ بمدْخَلِ شِرْياني

من أينَ أتَيْتِ؟ وكيفَ أتَيْتِ؟

وكيف عَصَفْتِ بوجداني؟

أقتبس “نزار قباني” المرأة في أبيات الشعر وجعلها ملكة وسلطانة ومصدر الهام له ولشعره، لم يبخسها حقها بوجه جميل وجسد مخملي فقط.

بين الاحتفاء والرفض

التحدي الحقيقي للكاتبة الجميلة بين الاحتفاء والرفض في قدرتها على أن تظل صادقة مع نفسها وسط ضجيج التوقعات والآراء المتضاربة، فبين من يحتفي بإبداعها ويرى فيها صوتاً يعبر عن العاطفة والفكر، وبين من يرفض طرحها ويقيد حرية تعبيرها، تجد نفسها في صراع دائم للحفاظ على توازن دقيق، التحدي ليس في مواجهة الانتقادات أو التصفيق، بل في استمرارية الكتابة بصدق وإبداع، بعيداًعن الاستسلام للإطراء أو الرضوخ لليأس، إنها رحلة صمود داخلي تتحدى فيها الكاتبة الفوضى الخارجية، لتصبح كلمتها نافذة على الذات، لا مرآة لما يريده الآخرون.

يُختزل الجمال  في نظرة مجتمعية سطحية تُركز على المظهر بدلًا من الجوهر تجد الكاتبة نفسها في صراع دائم مع تصورات نمطية تفرض عليها أن تكون جمالها معياراً لتقدير إبداعها، مما يخلق حاجزاً بين أعمالها وبين الاعتراف العميق بقدرتها الفكرية والفنية،  يصبح الجمال قيداً حين يُصبح هو العنوان الأول لكتاباتها، مُقلصاً فرصتها في التعبير بحرية تامة عن أفكارها وتجاربها، ويضعها في معركة لإثبات أن الإبداع الحقيقي لا يقاس بما تراه العيون، بل بما تشعره العقول والقلوب.

حين يصبح الجمال لعنة، تتداخل أبعاد معقدة في ثقافة الأنوثة، الكتابة، والصحافة، فالكاتبة أو الصحفية التي يُنظر إليها من خلال إطار جمالها الخارجي، تواجه تحديات غير مرئية في مسيرتها المهنية والإبداعية يُهمش صوتها في كثير من الأحيان أو يُقلل من شأنه، حيث يتسرب إلى ذهن المتلقي أن ما تقدمه من أفكار وإبداعات لا يُعبر عن عمق حقيقي بقدر ما هو نتيجة جاذبيتها الخارجية، يصبح الجمال عبئاً نفسياً ومهنياً، مع تشتيت الانتباه عن جوهر العمل نفسه، تضطر الكاتبة إلى خوض معركة مزدوجة، الأولى لإثبات موهبتها الفكرية بعيداً عن المعايير الجسدية، والثانية للتحرر من الصور النمطية التي تحد من قدرتها على التأثير والمشاركة بعمق في المشهد الثقافي.

في مجتمعاتنا الشرقية، الأمر أكثر تعقيداً، لم يكن من السهل أن تقف المرأة وسط مجتمعٍ ثقافي يكتظ بالأصوات الرجالية التي تعتقد أن الأدب حكرٌ عليهم كانت الكاتبة تُنظر إليها كغريبة، مثل زهرة برية نبتت في أرضٍ لا تتقبل مثل هذا الجمال، وإذا أضفنا إلى ذلك جمالها الخارجي، فإنها تصبح في نظرهم أكثر من كاتبة، بل أيقونة جمال يحوم حولها التوجس والرغبات المختبئة خلف كلمات الإعجاب.

الكاتبة الجميلة في قلب المعركة

الكاتبة محاربة تحمل على عاتقها إرثاً ثقيلاً، في كل مرة تجلس فيها لتكتب، تخوض في بحر الإبداع، وتحارب على جبهاتٍ متعددة، من أجل الحرية، من أجل الحق في أن تكون كاتبة فقط، بدون أن تُحاكم على جمالها أو جنسها،  خصوصاً من زوجها وذويها يكون خوفهم عليها أكثر من رغبتهم بنجاحها،  تمثل رمزية أكبر، حيث تصبح كل كلمة تكتبها صرخة في وجه مجتمعٍ لم يعترف تماماً بعد بحريتها الكاملة.

حين تصل الكاتبة إلى سمائها الخاصة، تدرك أن انتصارها لم يكن فقط في اعتراف المجتمع بها، بل في قدرتها على أن تكتب رغم كل القيود، هي التي حوَّلت التوجس إلى إبداع، والرفض إلى إرادة، والغضب إلى نصوص خالدة.

الجمال، كما أدركت، لا يتعلق فقط بما تراه العين،  إنه شيء يتجاوز الملامح والخطوط، إنه توليفة معقدة من الفكر، الحضور، والكلمات، بعض الأشخاص، يجسدون الجمال بكلماتهم، بإحساسهم العميق بالأفكار، وآخرون مهما بدوا جميلين في البداية، قد يفقدون هذا الجمال عندما تكشف كلماتهم عن خواء الروح. الجمال ليس مطلقاً، هو شعور يلامس الروح، ويمنحنا إحساساً عميقاً بشيء يتجاوز ما هو مرئي.

ذلك المفهوم الذي يبدو بسيطاً  عند النظر إليه لأول وهلة، يحمل في طياته أبعاداً لا نهائية من الفهم والتأويل، ماذا يحدث حين يصبح الجمال مرآة معقدة تعكس ثقافات بأكملها؟ حين يُختزل الجمال في مجرد صورة نمطية يُفرَض على صاحبه التماشي معها، يصبح ذلك الجمال سجنًا مخفيًا خلف بريقه.

 حيث تختلط الخطوط الحمراء مع الضبابية، يجد الفرد نفسه مسجوناً بين حاجاته الإنسانية وصورته المثالية التي يرسمها المجتمع، المرأة وهي المثال الأبرز هنا، تواجه تحدياً مزدوجاً، جمالها الخارجي من جهة، وصورتها النمطية التي تُحاصرها من جهة أخرى، إنها تعيش في مساحة بين الواقع والمُتَخيل، حيث يُفترض أن يكون جمالها سلاحاً وسجناً في آن واحد، كأن المجتمع ينظر إليها ليس كإنسانة متكاملة، بل ككائنٍ  يُعامَل وفق تصورات مسبقة تشكك في عمق وعيها وقدرتها على الإبداع.

الكاتبة الجميلة تجد نفسها في قلب هذه المعركة الداخلية والخارجية، إنها تُدرك جيدًا أن الكلمات التي تكتبها تتجاوز حدود الجمال المادي، وأنها تحمل فكرًا وعمقًا يتحدى الصور النمطية لكن، هل يراها الجميع هكذا؟ أم أن جمالها يُثقل عقول الآخرين، ويُظلل رؤيتهم لها ككاتبة؟

ثم يأتي الحقد، إنه ليس حقداً علنياً، بل هو نار صامتة تتربص بها من داخل أوساطها الثقافية، كاتبات أخريات قد يشعرن بالغيرة، وكتاب قد يحاولون النيل منها عندما لا تستجيب لتصوراتهم عنها، هنا يصبح الجمال لعنة، وكأنها تعاقب على امتلاكها ما هو أكثر من جمال خارجي.

حينما تكتب الكاتبة الجميلة، تتحدث روحها بصوتٍ خافت، تلامس عوالم جديدة، وتنسج من كلماتها عوالم مدهشة لا يُحدها شيء،وهنا فقط، يظهر التحدي الحقيقي، أن تحافظ على عمقها وتفردها وسط ضجيج الجمال السطحي، أن تظل الكاتبة التي تُقاوم كل القيود، وتدافع عن روحها بكلماتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى