تفاصيل سورية | المجند الحلبي الذي بال على صورة حافظ الأسد!

بقلم: غسان المفلح
في الزاوية السابقة تحدثت عن اعتقالي الأول وبعض تفاصيله، اليوم أكمل ما أذكره من تفاصيل أو ما استعدته من ذاكرتي التي كانت تدفنه تحت تلك الأعوام التي مضت.
بعد يومين تقريبا من تسليمي للضابطة الفدائية، تم تحويلي لفرع فلسطين. انتهى التحقيق معي خلال يومين، منهك ولا زلت ـعاني من التعذيب وخاصة الجولة التي قام بها ضابط الـمن العام على الحدود مع لبنان. كان سجن فرع فلسطين آنذاك أو أحد سجونه، عبارة عن شقة قبو تقع تماما تحت ما يعرفه الدمشقيون جميعا إنه ” فلافل الشعلان” المشهور جدا أيضا آنذاك. كأشهر محل سندويش في دمشق. كان لزنزانتي نافذة عرضية لا تتجاوز 15 سم وممتدة لخمسين سم تقريبا. كنت أقضي أغلب وقتي وأنا أنظر منها إلى اقدام المارة. لأنني من موقعي تحت الأرض لا أستطيع ووفقا لهذه النافذة الحقيرة إلا رؤية أقدام الواقفين ليشتروا سندويش فلافل الشعلان أو أقدام المارة في ذلك الشارع. إضافة بالطبع إلى الأصوات المعتادة لسوق الشعلان.
هذه الشقة القبو السجن عبارة عن ثلاثة غرف وصالة. وغرفة صغيرة خارجية مكان ما يفترض أنه منور (بتسكين الميم) عريض أو جنينة صغيرة للشقة هذه. الصالون كان عبارة عن مقر لمن يداوم من السجانة، وأحيانا للتحقيق حيث يأتي المحقق من الفرع في المالكي حيث مقره آنذاك، إلى هذا السجن كي يحقق مع المعتقلين. وغرفة لينام السجانون فيها. وغرفتين فيهما عشرة زنازين إضافة إلى ثلاث زنازين كما أذكر في المنوَر. كانت زنزانتي رقم 3 في الغرفة. كان في الزانة رقم 2 بجانبي شاب من حلب لم يبلغ العشرين من العمر بعد، وأحضروه من قطعته العسكرية التي يخدم فيها خدمته الإجبارية. احضروه بسبب تقرير كيدي. يقول التقرير أنه “إخوان وحشاش وبال على صورة حافظ الأسد”. ما حدث مع هذا الشاب شيء من الكوميديا التراجيدية السوداء. حيث أتى ضابط التحقيق ليحقق معه فيما تبقى من الغرفة من مساحة. أخرجه السجان من الزنزانة ووقف أمام الضابط. كان التحقيق معه ومحاولة تعذيبه كأنها مقصودة كي نسمع نحن في بقية الزنازين.
بدأ معه بسؤال: أنت اخوان مسلمين؟ رد عليه: لا والله يا سيدي شو إخوان ما إخوان؟ بحلبية قحة، كونه حلبي أصلي أبا عن جد. بدأ معه بجولة تعذيب، عبارة عن دولاب وعصا الفلقة. كان يصرخ كطفل! صوته لايزال في ذاكرتي. قبل أن اتابع معه، حدثتكم في الزوايا الأولى عن صديق شطرنجي فلسطيني، من سكان المخيم موقف الفرن، أحب تلك البنت الصغيرة التي كانت تعتني بي في مدرسة ام العلاء بعدما كبرت وتزوجا لاحقا. هذا الشاب الحلبي بعدما خرج من المعتقل، استأجر غرفة في بيت أهل ذاك الصديق. رأيته صدفة لاحقا ودعاني إلى غرفته أكثر من مرة. ولبيت الدعوة وحدثني عن مرارة الاعتقال، عن أحوال عائلته أثناء فترة اعتقاله باعتباره أيضا أكبر اخوته عمرا، كان يعمل في محل ميكانيك بالراموسة – الراموسة تعد كمنطقة صناعية لحلب- قبل أن يذهب للخدمة الإلزامية، خاصة والدته التي تسمع ما يحدث للمعتقلين في سجون الأسد.
ما حدث في الجولة الثالثة من التحقيق أمام أبواب الزنازين الخمسة. جعلنا وجعله يتذكر دوما كيف أتته تلك الجرأة.
في الجولة الثالثة أتى الضابط ومعه مساعد أول اختصاصه تحقيق وتعذيب. على ما يبدو كانت هذه الجولة من التعذيب لحسم قرارهم بشأنه. الضابط يسأل والمساعد يعذب، يشتم، ويطلب منه ألا يكذب. من شدة الألم بدأ يتوسل للضابط: يا سيدي يخلي لك اهلك، ابوك، أمك، أخوك. لكن الضابط استمر. عندها صرخ: يستر على عرضك ويخلي لك اخواتك البنات. فورا أجابه الضابط: ليس عندي اخوات بنات وهو يضربه بالكبل. فما كان منه إلا أن صرخ به قائلا: إذا ما عندك اخوات بنات، روح الله يعدمك شبابك. فورا علت قهقهة الضابط والمساعد وقال للمساعد توقف، وهو يقهقه عاليا. خلص اتركه. فعلا تركاه واوقفا التعذيب وهما يضحكان. أعادوه للزنزانة وهو مدمى. وقال الضابط للسجانة عالجوه بكرا، اعطوه شوية شاش ومعقم. كانت ثلاث أسئلة:
انت اخوان مسلمين؟ الثاني: انت حشاش وتبيع الحشيش في المعسكر؟ والثالث: لماذا شخيت على الصورة؟ بقيت أجوبته كلها نكران. لأنه فعلا لا علاقة له بكل هذا الوارد بالتقرير. لكنه ذكر لي لاحقا أنه قبل خروجه بيومين، أكل علقة من السجانة لأنهم ضبطوه يتحدث مع جاره في الزنزانة المجاورة.
لم أعرف لأنني خرجت من المعتقل قبله. لكنه بالمقابل كان هو أيضا يضحك على ما حدث معي مرة. في إحدى الليالي قبل النوم، كنت أردد أغنية أم كلثوم” هذه ليلتي” والشباب في الزنازين يستمعوا لي أغني. فجأة وجدت السجان يقف على شراقة باب الزنزانة الحديدي،
– “ولا عرصة” مع من كنت عم تحكي؟
– لم أكن احكي كنت أغني رديت عليه.
– ماذا كنت تغني؟
-أغنى لام كلثوم.
– ما هي الأغنية التي كنت تغنيها؟
– فقلت له: أغنية “هذه ليلتي”.
عندها صوته علا قليلا وقال:
– غني هذه غرفتك يا خرى.
“يا خرى” أحد عناوين المرحلة الأسدية، تطال أي مواطن سوري لا على التعيين في أي لحظة من عمره.