تفاصيل سورية | زمن الزعرنة ومشاجرات السكاكين والكندرجيات والشنتيانات!
غسان المفلح
في الحقيقة الصف الثامن كان متعبا قليلا، أيضا تم نقلنا إلى مدرسة جديدة حيث افتتحنا البناء الجديد. اعدادية أبي حيان التوحيدي في منطقة (الحقلة)، على طريق الزاهرة القديم. أقرب لبيتنا، لكننا كدنا نتعود على إعدادية الميدان الأولى رغم بعدها. كان الواحد يجد له عذرا أحيانا في التأخر عن البيت “أن المدرسة بعيدة”. الآن لا عذر لنا حيث تبعد المدرسة أقل من عشر دقائق.
أما لماذا كان متعبا لي؟
أولاً: أتيت بصف ليس فيهم “واحد” عليه العين يلعب كرة قدم تقريباً. لهذا قضيناها خسارة أمام فرق الصفوف الأخرى.
ثانياً: تراجع مستواي الدراسي أكثر، لكن هذه المرة شعرت بالأسف على هذا الأمر. فحاولت في آخر السنة الدراسية ولحقت حالي ونلت علامة يمكن تقديرها بـ “جيد”. من جهة أخرى كان هنالك لاعبين شطرنج أمهر مني حينها، لكن في نهاية السنة أذكر أنني كنت أتفوق على معظمهم.
بدأ بعض أصدقائي من الشلة التدخين والإحساس الطافح بالرجولة أو بالشباب. للتدخين قصة أخرى، لكنني بقيت لا أدخن حتى السنة الجامعية الأولى تقريبا. والسبب في ذلك صديقي في التحضير سويا لامتحان البكالوريا (بسام نوفل)، الذي كان يدخن بشراهة. سنعود على قصة التدخين بعد خروجي من اعتقالي الأول في فرع فلسطين لاحقا نهاية عام 1980.
أعتذر سلفاً، في هذه المرحلة باتت الشتيمة بين الأصدقاء في مثل هذه الشلل تطال أفراد عائلتك وبألفاظ بذيئة. الأب والأم والأخت ونتعامل معها كأنها نكتة بين الأصدقاء. لكن عندما تأتي من شخص غير صديق عندها تتحول إلى مشاجرة لا تعرف متى تنتهي، خاصة إذا فيها سكاكين”أمواس كباس” أو” الكندرجيات ” و”الكندرجية” هي سكين حادة جدا جدا، يستخدمها الإسكافي. في مرحلة لاحقة أتت” الشنتيانات” وهي تشبه السيف لكنها من معدن مرن جدا، بحيث تطوى على الخصر وكأنها حزام بنطال. ما تبقى هي تنويعات تختلف من حي لحي ومن حارة لحارة. لكن هذه الأدوات هي التي كانت دارجة كموضة آنذاك.
الشيء بالشيء يذكر، صديق من أصدقاء العمر (هيثم سرية)، كنا في الأول ثانوي عندما شتمني إحدى الشتائم التي تطال أمي رحمها الله. أتى ليفطر عندي بعد المدرسة فناديت أمي وقلت هذا هيثم الذي تطبخي له كباب هندي يقول لي” ك..أمك” ما كان من هيثم إلا أن ذاب في ثيابه خجلاً، وانا تحت نيران البهدلة من الست الوالدة، “عيب يا قليل الحيا يلعن أهلك”، وقالت لهيثم: “لا ترد عليه يا خالتي”! وأيضا الشيء بالشيء يذكر كان لدي صديق من نفس طينة هيثم، كان كلما يغضب مني أو من أي من أصدقائنا يشتمه بقوله “يلعن أهلك”، وهو من القريتين مدينة في تابعة لمحافظة حمص اسمه حسن عباس.
بالمناسبة أيضا حسن كان بالمطلق ضد عملي بالمعارضة، وكان بعثيا مقتنعا بالبعث. أيضا مرة من المرات باغته وفسدت عليه لأمي. لكن بالنسبة لحسن كان لها طعم خاص لأنه هو دوما يأتي مع أهلنا ضدنا، على أساس أنه مهذب ويعرف مصلحتنا في الدراسة هههه فقطعت له تذكرة الدخول لنادينا. لكنه بقي له موقع خاص عند والدتي رحمه الله ووالدتي… وبقي يزورهما منذ هربت من المخابرات عام 1986 وحتى وفاة والدي ت2 1978 ثم تابع في زيارة والدتي والاطمئنان عليها كلما سنحت له الفرصة مع زوجته عندما يزور الشام، فيذهب إلى الشيخ مسكين بشكل خاص ليزور والدتي.
ومن أصدقاء كثر من بقوا على هذه الأمانة. بعضهم لا أستطيع ذكر أسمائهم الان. ومنهم بالطبع نتيجة خوف أغلبهم من المخابرات لم تعد والدتي تشاهدهم. لم يزرها أحد منهم. هذا كان مدعاة حزن وحسرة لديها، لأنها كانت تحبهم جميعا. لكن كان حسن عباس وصديقي ن وزوجته من سلمية أكثر المواظبين على هذه الزيارة لأمي. بعضهم بقي يزورها في أوقات متباعدة حسب ظروفهم. هؤلاء أصدقاء الطفولة والمخيم والتضامن إنهم الذاكرة الأكثر دفئا لدي.