الرأي العام

نوافذ الإثنين | الزواج متعدد الأعراق

ميخائيل سعد

يمكننا تعريف هذا الزواج بأنه زواج بين أشخاص ينتمون إلى أعراق أو إثنيات أو أديان مختلفة. ويتضمن ذلك الزواج بين أشخاص ينتمون إلى مختلف الأصول العرقية، أو القوميات أو الجنسيات أو الأديان أو الخلفيات الثقافية.

مونتريال الكندية

عندما وصلت إلى كندا (مونتريال) عام ١٩٨٩، كان من النادر جدا رؤية شخصين، أسود وأبيض يسيران معا في الشارع، وبشكل أكثر دقة، كان من المدهش أن ترى في الشارع فتاة سوداء تسير مع شاب أبيض، أو ترى فتاة بيضاء تسير مع شاب أسود. بعد مرور ثلاثة عقود أصبح من الطبيعي أن ترى في الشوارع أو الحدائق المونتريالية شبابا وصبايا من اللونين يتعانقون ويتبادلون القبل والمداعبات الغزلية أمام الجميع، دون رؤية أي نواع من أنواع الدهشة أو الاستنكار على وجوه المارة. بل أصبح من الطبيعي والعادي رؤية الأطفال الملونين (أشقر بني، وبني فاتح) في الشوارع، أو أثناء الخروج من المدارس: ”الاسم الشائع للون البشرة هذا هو “أشقر بني” أو “بني فاتح”. هذا اللون ينتج من خليط الميلانين (المادة المسؤولة عن لون البشرة السمراء) والهيموغلوبين (المادة المسؤولة عن لون البشرة البيضاء).

يتميز لون البشرة “الأشقر البني” بأنه أغمق من لون البشرة البيضاء، ولكن أفتح من لون البشرة السوداء. وهو ما يعكس التنوع الجيني والخلفيات العرقية المختلطة للطفل).

كان هذا وضع مونتريال، وهي المدينة الأكثر انفتاحا على التنوع الثقافي والعرقي في كندا على الأقل، ولنا أن نتخيل الوضع في بلدان أو مدن ”تفتخر ببياضها“، وموقف السكان، قبل ثلاثة عقود، من الزواج متعدد الأعراق!

 زواج سويسري-سوري

في عام ١٩٩٢ دعاني أخي رامي، الذي كان قد وصل إلى سويسرا قبل ثلاث سنوات، لحضور عرسه على صبية سويسرية، فكان أن شهدت ذلك الزواج الجميل، وقد أدهشتني اللغة العربية التي تتكلمها العروس، فلو لم أكن أعرف أنها سويسرية، لظننت أنها إحدى صبايا قريتنا؛ فقد كانت تتكلم  لهجة قريتنا، ولكن شقار لون جلدها وشعرها كان يؤكد أصلها السويسري. قدمت التهنئة إلى أخي، ومدحت مهارته في تعليم زوجته اللغة العربية. كان والدي وخالتي من أسعد الناس وهم يتواصلون مع العروس بسهولة ودون مساعدة أحد.

بعد سنة أثمر الزواج وأصبح أخي أبا لطفلة جميلة؛ لها ملامح أبيها ولون بشرة أمها الشقراء، وأسمياها ”سيلينا“. بعد حوالي خمس سنوات من ولادة سيلينا انفصل الأبوان، وعاشت الفتاة، منذ ذلك الوقت في بيتين؛ بيت أمها وبيت أبيها، وتلقت ثقافتين؛ السويسرية والعربية أو لنقل السورية، إلى أن تزوجت قبل شهر ونصف من شاب ينتمي إلى عرق ثالث، محققة إضافة للمجتمع بإثراءه بالتنوع الثقافي والاجتماعي داخل الأسرة والمجتمع، ومكملة لتجربة والديها المخفقة.

الزواج السويسري- السيرالانكي

قبل ست سنوات من الآن، جاءت الشابة سلينا إلى مكان عمل والدها الذي يبيع سيارات مستعملة، وقالت له: من هم أفضل الزبائن عندك يا أبي؟

ابتسم أخي قائلا لابنته الشابة: ما القصد من هذا السؤال يا حلوة؟

قالت له: قل لي أولا.

كرر أخي رامي ما كان يقوله دائما: إن أفضل زبائني أهل سيرالانكا السويسران.

قالت سيلينا: اسمح لي إذا بتقديم صديقي الحميم السيرالانكي إليك.

قال لي أخي: لقد صدمتني، في الدقائق الأولى، كلمات ابنتي، ولكن تداركت الأمر بسرعة وقلت لنفسي: لا أريد خسارة ابنتي، فهذا خيارها، وفي النهاية أنا أريد لها السعادة، فإذا كانت سعادتها مع هذا الشاب، فأنا موافق، وأومأت برأسي ”أن نعم“، فقد كان لساني جافا جدا.

تزوج العروسان في البلدية (زواج مدني)، مع مباركة خجولة من الأب، ورفض من أهل العريس الذين كانوا يرتبون لابنهم زواجا من صبية من بيئتهم.

 كما حصل مع سيلينا عندما ولدت، فقد حصل مع ابنتها اميليا التي جاءت إلى الدنيا بعد سنة تقريبا، فقد انجبت سيلينا طفلة تحمل خلفيات متنوعة تشي بإصولها؛ ملامح من والديها ولون ”أبيض بني“، ما أغنى الرصيد الجيني والتنوع البشري، ومعمقا تعزيز التفاهم والتسامح بين الثقافات والأعراق المختلفة.

الدعوة الثانية من أخي

في خضم الاستعدادات للامتحان النهائي في جامعة ماردين، وصلتني رسالة من أخي السويسري (بالمناسبة، في بيت أبي السوري خمس جنسيات: كندي، فرنسي، ألماني، سويسري، سوري، وهذا من عجائب آل الأسد)، يدعوني فيها لحضور زفاف ابنته الأولى، من زواجه السويسري، ولكي لا يترك لي مجالا للاعتذار، أرفق الدعوة بتذكرة سفر ذهابا وإيابا من تركيا إلى سويسرا ، فتذكرت أنه فعل الأمر نفسه قبل 32 سنة، عندما تزوج من أم سيلينا، فوضعت الامتحانات على الرفّ، وقررت حضور عرس سيلينا.

قد يقول أحد القراء: ولكن سيلينا متزوجة وعندها طفلة عمرها خمس سنوات!

أقول للسائل: نعم، هي متزوجة في البلدية، ولكن بعد أن اشترت وزوجها بيتا جديدا لهما، اكتشفت أن صالون البيت ينقصه صورة لها ولزوجها في ثياب العرس البيضاء فقررا، هي وهو، الزواج مجددا، ولكن ليكن هذه المرة زواجا كنسيا، فقد تضفي صورة الزواج الديني، المعلقة في صدر الصالون، ”البركة“ على البيت الجديد، بدلا من ”الخرزة الزرقاء“!

العروس مع طفلتها ذات الخمس سنوات

التنظيم السويسري واحترام الاختلافات

كان الاحتفال منظما على الطريقة السويسرية، يعني كل دقيقة محسوبة؛ عدد المدعوين، حجز المطعم، نوع الطعام، أنواع المشروبات، كيف يصل المدعوون إلى الكنيسة، ثم كيفية الوصل إلى المطعم، توزع الطاولات، وأسماء كل من سيجلس على الطاولات، مع مراعاة الانتماء العرقي. لفت انتباهي أن الحضور قد توزعوا إلى ثلاث مجموعات: مجموعة سويسرية الأصل، مجموعة سويسرية عربية، مجموعة سويسرية سيرالانكية، ما ميز المجموعات هو الأزياء، والأكثر تميزا كانت مجموعة العريس، من حيث الثياب وألوان البشرة. الميزات الأخرى كانت في الغناء والرقص، فقد تمت مراعاة تنوع الثقافات الموسيقية والغنائية والموسيقى الراقصة. أما الطعام، فكان أمام كل شخص ثلاث خيارات: لحوم (شرحات)، أو سمك، أو خضروات.

على مدخل صالة العشاء، وضعت طاولة عليها صندوق، يضع فيه، من يرغب من المدعوين بعض النقود، كهدية للعروسين، وهذا يساهم في تخفيف النفقات عليهما.

العروس وأبوها

الأسئلة المحتملة عن هذا النوع من الزواج وبعض الحلول

قد يكون أول ما يتبادر إلى ذهن بعض القراء بعض الأسئلة عن جدوى الحديث عن هذا النوع من الزواج ”المختلط“، سواء كان القصد زواج بين شخصين من دينين مختلفين أو عرقين مختلفين، أو بشكل عام بين شخصين من ثقافتين مختلفتين، وهل يُكتب لهذا النوع من الزواج الاستمرار أو لا؟

تدل التجارب أن النجاح وعدمه ممكن، كما هو الوضع في الزواج الذي يتم بين أبناء الدين الواحد أو العشيرة الواحدة، فقد يفشل ويتم الفراق، وقد ينجح لفترة محددة، ثم يفشل، وكل ذلك مرتبط بمجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وخير مثال على ذلك هي حالات الطلاق الكبيرة التي حدثت مع عائلات سورية وصلت إلى الغرب بعد الثورة السورية، سواء كانت حالات الزواج بالإكراه وهم في سورية، أو بعد قصص غرامية كبيرة.

رقص شرقي في العرس السويسري

فقد حصل الطلاق في الحالات كلها تقريبا، نتيجة تغير ظروف الزوجين، أو تغير القوانين التي كانت سائدة في لحظة الزواج. من ذلك يمكننا القول إن الزواج متعدد الأعراق يخضع لنفس الشروط التي يخضع لها الزواج العادي، مع احتمال أن نسبة فشل الزواج المتعدد الأعراق قد تكون أعلى إذا لم ينتبه الزوجان إلى نقاط الاختلاف منذ البداية، والعمل على إيجاد الحلول لها مثل:

  • قد تنشأ تحديات في التواصل والتفاهم بسبب الاختلافات اللغوية والثقافية.
  • تحديات قانونية وإدارية قد تواجه الزواج متعدد الأعراق في بعض المناطق.

قد يكون هناك بعض الطرق المحددة التي يمكن اتباعها للتغلب على التحديات اللغوية والثقافية في الزواج متعدد الأعراق، ومنها:

  1. التواصل المفتوح والصريح:
    1. على الزوجين أن يكونا صادقين ومنفتحين في مناقشة مخاوفهما وتوقعاتهما.
    1. تبادل المعلومات حول قيمهما وتقاليدهما الثقافية والدينية.
  2. التعلم المتبادل:
    1. كل طرف يتعلم لغة الطرف الآخر وثقافته.
    1. الاشتراك في الأنشطة الثقافية والاجتماعية لكلا الطرفين.
  3. احترام الاختلافات وتقبلها:
    1. الاعتراف بأن الاختلافات ليست عيباً بل فرصة للنمو والتطور.
    1. التخلص من الأحكام المسبقة والتعصب.

من خلال هذه الطرق والممارسات، يمكن للزوجين في الزواج متعدد الأعراق، والزواج العادي أيضا، التغلب على التحديات اللغوية والثقافية وبناء علاقة زوجية ناجحة وقوية.

في النهاية، أودّ أن أختم الحكاية بقصة زواج وطلاق بين سوريين عاشا في كندا:

في تسعينيات القرن الماضي تعرفت على زوجين سوريين من دينين مختلفين، وكان يعيشان قصة حب عاصفة. بعد عشرين عاما من الزواج تغيرت ظروفهما وثقافتهما ونمط حياتهما، وأدى الأختلاف إلى الانفصال. حاول بعض المصلحين ترميم الهوة بين الزوجين، ولكن دون نتيجة. في أحد الأيام التقيت الزوجة المسيحية الدين، فقالت لي أثناء تبرير رغبتها في الطلاق من زوجها: تصور يا ميخائيل أن ”زوجي“ طلع مسلم.

ضحكت من سخافة التبرير، وقلت لها: معقول أنك، خلال عشرين عاما من الزواج، لم تشاهدي أنه ”مُطهر“، الآن اكتشفت أنه مسلم!

مونتريال ٨/٧/٢٠٢٤

زر الذهاب إلى الأعلى